2/01/2017

سوف أمنحكِ أسبابًا جديدة لتحبيني .




ليست الأحلام الكبيرة، ولا المستقبل المشرق ولا الآمال العظيمة ولا السعادة الموعودة التي تدفع شخص مثلي على مواصلة الحياة. لكن عندما تنبت شجرة بين رخام الدرج أو تتسلق الحائط. و تتدرّج ألوان الغيم صباحًا من القرمزي إلى البرتقالي و الوردي و الأبيض وانعكاسها على زجاج النوافذ . حينما ينزل المطر ويضرب الزجاج برقّة وبعنف ويربت على الاكتاف الحزينة . وكلما ألمح الانعكاس الذهبيّ للشمس على ازفلت الشوارع ماقبل الغروب. والظلال الناعمة للأشياء صباحًا . كأنما تقول الحياة: أحبيني، أحبيني لأنني في كل مرة سوف أمنحك أسبابًا جديدة لتحبيني . حينما تندفع قطتي المفضلة وتعبث حولي كلما فتحت الباب. رغم إنها ميتة الآن، مما يعني أنني فقدت أحد الأسباب.
وفي كل مرة أدرك أنني لازلت أملك القدرة على الاندهاش، ويقفز قلبي كلما لامس أشياء جميلة في كينونتها . وأن الطفلة التي بداخلي مازالت تطلّ برأسها لرؤية العالم ، ثم أصرف عينيها عن التفاهات البشريّة، إلى ماهو أعمق وأبعد وأرقّ . أحيانًا أقول لقد عشت بما يكفي، وأن عبء الوجود أثقل من الاحتمال. وأن روحي هرمت قبل أن تتفتّح حتى. لكنني أحاول أن أغرس نجمة في ظلمة روحي وإن بدت صغيرة جدًا وخافتة وخائفة. لكن بوسعها جعلي آلف هذه الظلمة .
إنها شؤون صغيرة في الغالب، مايبثّ الحياة . الشيء الوحيد الحقيقيّ بالنسبة إلي، والذي بوسعي التمسّك به . ماعدا ذلك من تطلّعات، ماعدا ذلك من آمال خائبة.


21/12/2016 
11:42 AM 

7/16/2016

شرنقة ضائعة في ذاتها .





لاأستطيع التعبّير عما هو خارجي، إذ أنني لاأكتب إلا كل مايمرّ خلالي، أجلس في المنتصف كما لو أنني عالقة في كأس زجاجيّ منكوس على رأسه . لايصلني إلا كلّ ماهو نافذ، وكل ماينفذ أعالجه في داخلي ثم ألوّح به كإشارة . ثمة أشياء بعيدة ، لايمكن التعبير عنها بالنظر ، ثمة أشياء جميلة للغاية في البعيد. لكن لايمكن تحويلها إلى أفكار، كلمات أو إشارات. يجب أن تمرّ من هنا لأفهمها. يوجعني كل ماهو ناءٍ وعصيّ على الكلام. بيسوا كان يقول: "لكي أبدع دمّرت نفسي، أخرجت نفسيًا جيدًا إلى الداخل، لاأنوجد حقًا في الداخل أكثر من الخارج". ربما أنني لاأملك هذه الشجاعة التي يملكها بيسوا لتدمير نفسه في سبيل الوصول إلى الإبداع، وهذا الزجاج الذي يحيطني أعتبره جدار حماية. وإذا مادمّرت نفسي لألمس الجمال، سوف أخسر نفسي. ماجدوى قطع محطّمة تزحف إلى البعيد؟ . أريد أن أعبّر عن الأفكار دون أن يكون الأمر عسيرًا، كما لو أن غشاء ذهني ضيق، والأفكار كبيرة على النفاذ. لاأستطيع الفهم، فهم العديد من الأشياء ، أشعر أنها موجودة ، أنها في أغوار روحي، لكنني عاجزة عن سحبها إلى السطح. إذ لاأملك الكلمات التي تسحبها ، ولا النفسَ الطويل لأنزل إلى أعماقها. لكنني أرمقها من الأعلى فحسب وهي تلوّح بيديها طلبًا للمساعدة ، وفي المقابل ألوّح لها طلبًا للنجدة. أنا العالقة هنا وحيدةً في الأعلى لا هي. وحيدة في داخلي، لأنني تخلّفت عن الأفكار الرفيقة . ربما أنني متمحورة في ذاتي، ملتفّة بشكل مستمر مثل شرنقة ، ضائعة في ذاتها ، لاتدرك إلا الحياة الضئيلة التي تحدث في الداخل والهواء وضوء الشمس النافذ وزغردة العصافير البعيدة . حيث أن من يرمقها من الخارج يظنّ أن الحياة هنالك مسالمة ، لكنها في غاية الاضطراب.

3/19/2016

منفذ المتعبين .




إن الكتابة قادرة على أن تصلنا بأناس تفصلنا عنهم سنين ، عقود ، قرون عديدة وتقلّص المسافة . حيث أننا نتشارك الشعور ذاته ، إحساسنا بالوحدة ، القلق ، الحزن ، التشوّش ، اللانتماء . حين تقرأ ماكتبه شخصٌ ما منذ ثلاث مئة سنة . وبشكل غريب للغاية ، يمسّك النص في أعماقك . تجد الجملة التي كانت عالقة في روحك لمدّة طويلة لكنك كنت عاجزًا عن الوصول إليها . مثلا حين أقرأ لفروغ فرخزاد قولها "أشعر تحت جلدي بانقباض وغثيان" . وأدرك حينها الإحساس الغامض الذي كان ينتابني لفترة طويلة . قد تكون كتبتها فروغ برغبة التفريغ عن إحساسها المزعج بطريقة ما ، لقد كتبتها دون أن تدرك مثلا ، أن شخصًا ما ، بعد سنوات عديدة . سوف تساعده هذه الجملة ، ألا يشعر بالغرابة ، إذ أنه أدرك أن شخصًا ما سبقه كان يحسّ الإحساس ذاته . لذا كان الأدب دائمًا منفذ المتعبين ، الضوء الذي يرشد أرواحهم . يضمّهم جميعًا دون أن يستثني أحدًا . لست غريبًا وأفكارك ليست مستهجنة ، لست وحيدًا .



Feb 27, 2016

2/13/2016

ربما الجذور بعيدة .

 


- لو منحت لك حياة ثانية، ماذا كنت لتختار أن تكون؟ 
- حائط ، حصاة ، طاولة . أي شيء عدا كوني إنسانًا .
- ماالذي يجعلك تبغض بشريّتك إلى هذا الحد؟ 
- لأنني أحسّ ، أشعر ، أفكر ، أتحدث ، أصمت ، أحزن ، أبكي ، أصير عاطفيًا ، مخبولا . وهذا مقرف للغاية . ولأنني محبوس داخل هيئتي البشريّة ، ولا أخفيك . أحيانًا أسمع أنين وحش في الداخل . 
- أي نوع من الوحوش ؟ 
- وحش جريح ، مصاب بالضمور ، لايصله النهار . أنا خائف تحديدًا أن يعرف الناس أي نوع من الأشخاص أنا . 
- أي نوع أنت ؟ 
- لاأعرف . 
- إذن ؟ 
- لاأعرف ، وهذا يصيبني أحيانًا بالجنون . أنفق الوقت في حرث روحي ، لكنني لاأصل إلى الجذور . ربما الجذور بعيدة، ربما شخص ما قطعها . قد لايكون هنالك جذور أصلا . ربما لاأحتوي إلا الفراغ . 


21‏/10‏/2015

9/25/2015

زهايمر.






كم هو مريع أن تتلاشى ذكرياتك وتنفرط كعقد من الخرز وتتناثر أمام عينيك . أن تعيش اللحظة بخوف من فقدانها . من فقدان الوجوه . الأسماء .أن يجنّ جنونك لأنك غارق في البياض ، ماخلفك أبيض ممحوّ وماتحت أقدامك ينذر بالتلاشي . ومافوقك يهبط عليك . عالمٌ كامل يتهدّم أمامك . فجأةً تفقد تمييزك للأشياء، لاتعرف الفرق بين الشوكة والملعقة . كلاهما شيء معدنيّ ، لكنك لاتجد في ذهنك الكلمة المناسبة . تفقد إحساسك بالاتجاهات والأمكنة ، الطريق الذي حفظته عن ظهر قلب ، الحجرة التي تذهب كل يوم إليها . فجأة تجد نفسك عاجزًا عن التذكر . أبسط الأشياء التي اعتدتها تتخلى عنك . مثل طفل يحبو للمرة الأولى تريعك كثرة الاتجاهات وفقدان الطريق بدون يد ترشدك . تشعر بأنك مثير للشفقة ، مضطرّ لشخص ما بجانبك ، أن تكون عبئًا . لأنك لاتعرف شيئًا بسيطًا كنت تمارسه باعتياديّه تامة في أوقات سابقة . أن يحرقك بشدّة كونك لاتجد إجابة واضحة لسؤال "أين ذهبت اليوم؟" . لأنك لاتعرف شيئًا عن اللحظة السابقة ، وفي اللحظة التالية سوف تنسى ما الذي تحدثت عنه الآن . دوّامة أبدية تبتلع كل شيء في رأسك ، تعيش في منتصفها وحيدًا . ليس بوسع الآخرين مواساتك ، أي كلمة ليست كافية بالغرض . يفصلك عنهم حاجز سميك ، يرتدّ صداك وحيدًا بالداخل . لأنه ليس بوسعك قول شيء ، أي شيء . الكلمات ذاتها تخلت عنك . تعاني من حساسيّة مفرطة تجاه العالم من حولك ، كل شيء يجعلك غاضب حانق وحزين حزين للغاية . كثيرٌ على الآخرين تحملك . وكثيرةٌ عليك هذه الوحشة . 

6/14/2015

حُمى .





أحسُّ بكل عظمةٍ من عظامي تتألم ، أحس بكل مفصلٍ من مفاصلي كما باب تلفت مفاصله من الصدأ ، كلما خطوت أحس بصريرها ، أحس بها تصرخ وتقول بالله عليك أرحني ، لكم تحمّلت ثقل أحشائك وكرشك الكبير المترهّل ، ومشيتُ بك سنوات . أحس بعينيّ الاثنتين تتهامسان وتحاولان الخروج من محجريهما ، لقد تعبتا من مسح الأمكنة الخاوية إلا من الصمت والوحشة ، تريدان الخروج ، الخروج في نزهة ولاتعودان أبدًا لكهف الضجر . أحسّ بقلبي يائسًا ، ببطء يمشي ، وبخطوات ثقيلة ، تعِبًا من المسافات الطويلة التي قضيناها بالركض ، من الحزن الذي يغمره ويضخّه كسائل أسود وفاسد ، أحس بأحشائي تبكي وتصرخ في محاولة لامجدية لأن يفتح لها الباب وتخرج ، لكن الكرش بالتأكيد يعيقها كما سدّ عظيم . أحسّ بدماغي المغلوب على أمره ، يرقب الأمور من بعيد بصمت وعلقٌ ما أسود يأكله ببطء . أغمضُ عيني لوهلة ، أعيق هروب العينين ، يهدأ كل شيء بشكل مثير للريبة ، وأدخل في غيبوبة طويلة ، ولا أدري إن كنت ميتًا ، إن كنت مجرد روحٍ تخلى عنها وعاؤها ، أمدّ يدي ، أحرك عظامي ملوحًا للاشيء ، لكني لاأرى عظامًا ولا لحمًا ، فراغ وظلمات متتالية ، أسحبُ صوتي من هذه الحنجرة كما خيط رفيع ، أريد أن أصرخ ، أنادي أعضائي ، أتوسّل لجسدي أن يحملني للمرة الأخيرة ، لكن الخيط يذوب في يدي . والصمت كما قطعة فولاذ يحلّ عليّ . ثقيلا ثقيلا ، يسحق الكلمات والصرخة .



25/1/2015
2:00 am

2/12/2015

قطعة بسكويت واحدة .



مرحبًا ،
أقول مرحبًا
أيتها الحياة ،
هل تسمعينني ؟
هل تبصرينني بينما
أقف على الهامش
وأتأرجح
على حافّتكِ؟
أيتها الحياة البعيدة
القريبة.
أقول مرحبًا
بصوت أكثر علوًا
علني أشدّ ناظريكِ
وأحظى بقليلٍ منك .
أيتها الحياة
هلا فتحتِ الباب
قليلا
لنرتشف الشاي
والقصيدة؟
وكما صديقتين
نتصالح
ولو لمدة قصيرة،
أصبّ لكِ شتائمي
وتصبين لي الشاي
ونتقاسم
قطعة بسكويت
واحدة .